العرض في الرئيسةفضاء حر

خطورة البرميل الثاني في مسرحية “البراميل” للأديب الكبير عبدالكريم الرازحي

يمنات

فارس العليي

هذه ليست دراسة متعمقة وانما تلخيص بسيط استثارني فأولته .

في البرميل الثاني يكشف الرازحي ستار مسرحي غاية في الابداع و الخفه ويطيح بالخشبة التي يقف عليها الممثلين ويدهنهم بألوانهم الحقيقة ، يكشف اقنعتهم ويعري دفائن المخبؤ العميق ويجرده من لمعانه الهش في شروخ وجوه ضالة، كأنما يومئ الى اوكارهم بالبنان ، ينداح قلمه وتتعفرهم كلماته كبهلون يفقز فوق الحبل بخفه بينما يلطخهم بشتى صنوف مرارة الحقيقة .

البرميل الثاني ينسكب منه كل خطط الاحتيال ليقدم لنا لمحة مؤلمة ، ترفل مفرداته أيديولوجيات وتحطم مقدسات و تكسر الأصنام.. إنه ابراهيمي يعقلن الواقع ويعيده الى جادة الصواب ، ومن داخل برميل يحاكم عهرهم السياسي سلطة ومعارضة معا ، في واحدة من اروع ابداعات المسرح ، يقصف من هذا القفص الذي يحفظ للمدن نظافتها، قيادات التيارات الإيديولوجية من اليمين الى اليسار ، معريا سلطة البلد وخواء مكوناته ودساتيره وقوانينه ، كاشفا ساق الجميلة لبلاهة واندهاش جمهور طالما كان مراهقا يحلم بهذه اللحظة في كل المناسبات والأعياد، ليملؤنه تصفيقا حارا لأبطال قدموا اسوء الأدوار في مسارح الوطن ، نحن الجمهور المصفق والسعيد بتعاسته .

لقد كانت سلطة من أربعة أرباع ، وبحرف متعمد دعونا نحدث “ترنح ” في الربع الأخير ، أعرف أنه حرف ما لصمود “مجنون” الرازحي لكنه مطلوب من وجهة نظر نقدية ، وبالعودة يمكننا تحديدا القول أن هذا الترنح حدث في النصف الثاني، عندما انتقلت السلطة الى اليسار ومن لم يصدق فليرجع للبرميل الثاني للتأكد من هذه الأعجوبة..

إذاً حدث شيئا خطرا وغير متوقعا في البرميل الثاني من بين 11 برميل ، برميل الألغاز والأسرار والنبؤة الرازحية تصدعت احتداماتها في هذا البرميل ، افصح عنها بروح وبصيرة عميقة ونافذة اختصرت لب الوجع “لقد نقلت السلطة دون أن اريق قطرة واحدة منها ” يا لهذه الإزاحة من اليمين الى اليسار دون أن يرق لهم قلب او يتركون للآخرين خيار ، احتكار و استئثار لكلما وقع في قبضة أيديهم ، واستغلال سافر للأمانة التي منحها الشعب ، استبداد وانتهاك لكل قوانين الدستور و منظومة العقد الاجتماعي، ديكتاتورية تفشت و احتلت الجهات يمينها ويسارها أيضا، محتكرين انفرادا ممنهجا .

نعم، يقيم الرازحي مسرحيته جاعلا برميل القمامة أداة ترميزية تتناسب وعفن السلطة ، في حين يحشد لها الأفكار والمفردات الملائمة بل والمتطابقة في مطارحة مدهشة بحق ، لافتا توليفة لغوية من الاستبدال للاستدلال بمجازية شقلب كل شيء واوقعتهم جميعا على دوامة رؤوسهم…

يا لمسخرتك المُسرّحة لكل وظائفهم الاستغلالية بل و وجودهم العبثي ، ومثلما افرغوا مضامين السلطة افرغهم بدوره في برميل قمامة ، ولعله تماما مناسب لروائحهم المقيته ، كأنما أراد أن يقول لهم : مكانكم مقلب النفايات في منطقة الأزرقين كحاضنة ملائمة، كي لا يتعف الوطن بقواذيرهم المحتلة لأحلام ومستقبل الشعب.

زر الذهاب إلى الأعلى